المادة    
مفهوم كلام بولس الذي أخذوه: أن كهنوت ملكي صادق ليس له أب, وليس له بداية, وليس له نهاية, بمعنى: أنه لم يذكر -كما هو في التكوين كما قرأنا- من هو أبو ملكي صادق , ولا من هي أمه, ولا من هم أسرته؛ فبالتالي على كلامهم يكون هذا الرجل رمزاً للمسيح الذي هو -تعالى الله عما يشركون- تجلٍّ من تجليات الله تبارك وتعالى, وأنه ليس له بداية, وليس له نهاية أو ما أشبه ذلك.
يقول في رسالة العبرانيين: إنه بلا أب, بلا أم, بلا نسب, لا بداية أيام له ولا نهاية حياة؛ بل هو مشبه بابن الله هذا يبقى كاهناً إلى الأبد.
نحن نعلم أن المسيح عليه السلام له أم باتفاقنا واتفاقهم، هذا جانب، الجانب الآخر -وهو أمر قد يدعو للغرابة والطرافة- كم ذكر في العهد القديم من رجال -وفي غيره- ممن لم يذكر السفر أباه ولم يذكر أمه ولم يذكر نسبه, ولا يدل ذلك على أنه لا بداية له ولا نهاية ولا أولية!
كيف استنتجوا هذه الصفات الألوهية التي لا يختص بها إلا الله تبارك وتعالى فقط, الذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن، فكيف يقولون: إن هذا الرجل لا بداية له ولا نهاية, ولم يذكر له أم ولا أب؛ فبالتالي هو رمز أو تجلٍّ من تجليات المسيح عليه السلام، فذكر في قصة الخليل أنه أفضل من الخليل إبراهيم ثم ألمح عنه في المزامير بأن الله سيجعل المسيّا المنتظر كاهناً على رتبة ملكي صادق , ثم لما بعث المسيح عليه السلام اكتشفوا كما زعموا الحقيقة, وإذا بهذا الرجل رمز لألوهية المسيح عليه السلام, وإذا أفضليته على إبراهيم رمز لأفضلية الكهنوت النصراني على الكهنوت اللاوي اليهودي, وإذا بتقديم الطعام والخمر رمز للعشاء المقدس, فتصبح المشكلة تتعلق بالشرك والبدع الذي هو في الشعائر وفي العقائد أيضاً.
فلذلك يقول شارح سفر التكوين : يستدل على ذلك بأن إبرام جد اللاويين نال البركة من ملكي صادق , يعني: ما دام إبراهيم عليه السلام -وهو كان جداً للاويين الذين هم أبناء هارون عليه السلام- نال البركة من ملكي صادق , وقدم له العشور؛ فبالتالي المسيح أعظم من إبراهيم, وكهنوته أعظم من كهنوت لاوي , وأيضاً قال: وذكر الرسول -يعني: بولس - عن ملكي صادق : أنه بلا أب بلا أم, ولا نسب له..
مع أنه ما قيل: إنه بلا أب وبلا أم؛ لكن لم يذكر أبوه ولم تذكر أمه! ولا حاجة لكثير من الأعلام ألا يذكر آباؤهم ولا أمهاتهم.
ويقول: ولا بداية له ولا نهاية لحياته, ومعنى ذلك: أنه يرمز إلى أزلية المسيح وأبديته ودوام كهنوته! ما العلاقة بين المسيح عليه السلام وبين هذا الرجل وبينهما أكثر من ألفي سنة؟! ما العلاقة بين كون المسيح عليه السلام -كما يزعمون- إله وبين هذا الرجل بأنه لم يذكر له أب ولا أم؟! لاحظوا إلى أي حد تنتكس النفوس إذا ابتدأت في الدين وضلت عن المنهج القويم، سبحان الله العظيم!
ثم يختم فيقول: إن الخبز والخمر اللذين قدمهما الملك يشيران إلى سر العشاء الرباني الذي سلمه المخلص إلى تلاميذه وإلى ذبيحة العهد الجديد غير الدموية.
العجب أيها الإخوة والأخوات! أن نفس موضوع العشاء الرباني مختلف فيه! بمعنى: أن المسيح عليه السلام عندما جمع تلاميذه وقدم لهم العشاء فلا يدل ذلك -عند كثير من الفرق والطوائف الكنسية في القديم والحديث- أصلاً على أن دم المسيح أو جسد المسيح يتحول إلى العشاء الذي يتناولونه؛ كما تدعي الكنائس الأخرى كـالكاثوليك؛ التي تأكل الخبز وتعتقد أنه جسد المسيح, ويشربون الخمر ويعتقدون أنه دم المسيح.
فإذا كانت العلاقة ضعيفة أو غير صحيحة وغير منطقية أصلاً بين ما حدث من المسيح عليه السلام عندما أعطى تلاميذه الخبز والخمر -كما يزعمون, ونحن لا نقر أبداً أن نبياً من أنبياء الله يعطي الخمر- لكن الشاهد لا علاقة بين هذا وبين العشاء الرباني الذي هو بدعة منقولة عن الأمم السابقة, وهذا يأتي إن شاء الله عند ذكر بدع النصرانية، فكيف تصبح العلاقة كما يدعي هؤلاء في دعواهم أقدم من ذلك؛ وهي العلاقة بين أن إبراهيم عليه السلام نزل ضيفاً على رجل فقدم له خبزاً وخمراً!
لا توجد أي علاقة على الإطلاق وبينهما هذه الآماد البعيدة من السنين, وكم ذكر في التوراة وغيرها من أماكن أخرى أن رجلاً استضاف رجلاً أو نزل عند رجل أو ما أشبه ذلك!